امهات المؤمنين ونبذة عن حياتهم
سنبدأ بالكلام عن امهات المؤمنين وسوف نعرض نبذة عنهم واولى من نذكر السيدة خديجة بنت خويلد
خديجة بنت خويلد
نسبها و نشأتها هي
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى قصي بن كلاب القرشية الأسدية ، ولدت
سنة 68 قبل الهجرة (556 م) تربت وترعرعت في بيت مجد ورياسة، نشأت على
الصفات والأخلاق الحميدة، عرفت بالعفة والعقل والحزم حتى دعاها قومها في
الجاهلية بالطاهرة
زواجها من الرسول صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق:
كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال على مالها
مضاربة، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق
حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج لها في
مال تاجراً إلى الشام، وتعطيه أفضل ما تعطى غيره من التجار، مع غلام لها
يقال له ميسرة
.
فقبله رسول الله صلى
الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى نزل
الشام، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريباً من صومعة
راهب من الرهبان،
فاطلع الراهب إلى ميسرة
فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت الشجرة؟
فقال ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم.
فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي.
ثم باع رسول الله صلى
الله عليه وسلم سلعته - يعني تجارته - التي خرج بها، واشترى ما أراد أن
يشتري، ثم أقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسرة، فكان ميسرة - فيما يزعمون -
إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على
بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فربح المال ضعف ما
كان يربح.
وحدثها ميسرة عن قول
الراهب وعما كان يرى من إظلال الملائكة إياه، وكانت خديجة امرأة حازمة
شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامتها، فلما أخبرها ميسرة ما
أخبرها، بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعرض عليه الزواج منها
, وكانت أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهن شرفاً، وأكثرهن مالاً، كل قومها
كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر عليه.
ولنتركْ نَفِيسَة بنت مُنْيَة تروي لنا قصة زواج النبي -صلّى الله عليه وسلَّم- من السيدة خديجة -رضي الله عنها-.
قالت نَفِيسَة:
كانت خديجة بنت خُوَيْلِد امرأة حازمة، جَلْدَة، شريفة، مع ما أراد الله
بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً،
وأكثرهم مالاً، وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قَدِر على ذلك، قد
طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دَسيساً إلى محمّد -صلّى الله عليه
وسلَّم- بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت: محمّد! ما يمنعك أن تزوَّج؟
فقال: (مَا بِيَدي ما أَتزوَّجُ بِهِ).
قلت: فإن كُفِيتَ ذلك ودُعيتَ إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تُجيب؟
قال: (فَمَن هي ؟).
قلت: خديجة.
قال: (وَكَيفَ لي بِذَلك ؟).
قلت: عليَّ.
قال: (فأنا أَفْعلُ).
قالت نفيسة:
فذهبتُ فأخبرت خديجة، فأرسلت إليه: أنِ ائتِ لساعة كذا وكذا، وأرسلت إلى
عمَّها عمرو بن أسد لِيزوِّجها فحضر - لأن أباها مات قبل حرب الفِجار -.
فلما قالت ذلك لرسول
الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على
خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها عليه الصلاة والسلام.
قال ابن هشام: فأصدقها عشرين بكرة، وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
وكان لها من العمر أربعين سنة ولرسول الله صلى الله عليه و سلم خمس وعشرون سنة.
أنجبت له ولدين وأربع بنات وهم: القاسم (وكان يكنى به)، وعبد الله ، ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة
إسلامها و نصرتها للرسول صلى الله عليه و سلم
{اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ
الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
فقال لخديجة فقال : " مالي يا خديجة؟ وأخبرها الخبر و قال: لقد خشيت على نفسي.
فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة.
وكان امرأ قد تنصَّر في
الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء
الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي.
فقالت له خديجة: يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما أُري.
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى
وآمنت خديجة بنت خويلد،
وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله ورسوله،
وصدقت بما جاء منه، فخفف الله بذلك عن رسوله صلى الله عليه وسلم لا يسمع
شيئاً يكرهه من ردٍ عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا
رجع إليها تثبته، وتخفف عنه، وتصدقه، وتهون عليه أمر الناس، رضي الله عنها
وأرضاها.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ:
أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ خَدِيْجَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ، أَتَسْتَطِيْعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ إِذَا جَاءكَ؟
فَلَمَّا جَاءهُ، قَالَ: (يَا خَدِيْجَةُ، هَذَا جِبْرِيْلُ).
فَقَالَتْ: اقْعُدْ عَلَى فَخِذِي.
فَفَعَلَ، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟
قَالَ: (نَعَمْ).
قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ إِلَى الفَخِذِ اليُسْرَى.
فَفَعَلَ، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟
قَالَ: (نَعَمْ).
فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا، وَحَسَرَتْ عَنْ صَدْرِهَا، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟
قَالَ: (لاَ).
قَالَتْ: أَبْشِرْ، فَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَلَكٌ، وَلَيْسَ بِشَيْطَانٍ.
منزلتها عند رسول الله
السيدة خديجة امرأة عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، فقد
أمر الله – تعالى – رسوله أن يبشرها في الجنة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا
نصب
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:
أَتَى جِبْرِيْلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَذِهِ
خَدِيْجَةُ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيْهِ إدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ
شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ، فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ
رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ
صَخَبَ فِيْهِ وَلاَ نَصَبَ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ بَعْدَ مَرِيْمَ: فَاطِمَةُ، وَخَدِيْجَةُ، وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ؛ آسِيَةُ).
كان رسول الله يفضلها
على سائر زوجاته، و لم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت وكان يكثر من ذكرها
بحيث أن عائشة كانت تقول : ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة
وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر من ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها
أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا إلا
خديجة، فيقول إنها كانت وكان لي منها ولد
قَالَتْ عَائِشَةُ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَكَرَ
خَدِيْجَةَ، لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا، وَاسْتِغْفَارٍ
لَهَا.
فَذَكَرَهَا يَوْماً، فَحَمَلَتْنِي الغَيْرَةُ
فَقُلْتُ: لَقَدْ عَوَّضَكَ اللهُ مِنْ كَبِيْرَةِ السِّنِّ!
قَالَ: فَرَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَباً، أُسْقِطْتُ فِي خَلَدَي، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي:
اللَّهُمَّ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ رَسُوْلِكَ عَنِّي، لَمْ أَعُدْ أَذْكُرُهَا بِسُوْءٍ.
فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَقِيْتُ، قَالَ: (كَيْفَ
قُلْتِ؟ وَاللهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَآوَتْنِي
إِذْ رَفَضَنَي النَّاسُ، وَرُزِقْتُ مِنْهَا الوَلَدَ، وَحُرِمْتُمُوْهُ
مِنِّي).
قَالَتْ: فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْراً.
وفاتها رضى الله عنها
توفيت السيدة خديجة قبل
الهجرة إلى المدينة المنورة بثلاثة سنوات، ولها من العمر خمس وستون سنة، ,
وكانت وفاتها مصيبة كبيرة بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم- تحملها
بصبر وجأش راضياً بحكم الله – سبحانه وتعالى و لقد حزن عليها الرسول صلى
الله عليه و سلم حزنا كبيرا حتى خُـشى عليه و مكث فترة بعدها بلا زواج